السؤال: تغير الفتوى بتغير الزمان يطرح دائماً لإقناع الناس بتغير ثوابتهم, وهذا طرح نجده دائماً من
الليبراليين والعصرانيين يقولون كلمة حق ويريدون بها باطلاً، كيف نتعامل مع هذا الطرح المغرض؟الجواب: طبعاً
الليبراليون والعصرانيون وإن كان بعضهم لا يستحق أن يسمى لا عقلاني ولا عصراني، إنما هم في الحقيقة ببغاوات, وكل منهم ينعق خلاف الآخر، وتصنيفهم على أنهم منهج تعظيم لهم ولا يستحقونه؛ لأن كل واحد منهم له نغمته الخاصة. طبعاً ليست المشكلة في تغير الفتوى؛ لكن المشكلة هي أن يؤثر ذلك في عمل الفئات الدعوية.طبعاً "تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان". معناه: أن المجتهد الذي بنى أحكامه على نظرة لها مناط -المناط هو متعلق الحكم فأنت درست ظاهرة معينة وبنيت عليها الحكم من خلال هذا المناط- إذا تغير المناط تتغير الفتوى بالنسبة للمجتهد، والنصوص موجودة في الحالتين وثابتة، والقطعيات قطعيات في الحالتين. لنفرض مثلاً: أن أمراً من الأمور كان عندك نظرة فيه أنه من المحرمات، فرأيت أنت أنه ينزل -في هذا العصر وفي هذا الوقت وفي هذا الأمر- إلى منزلة الضرورات, "فالضرورات تبيح المحظورات"، فهو كان محظوراً عندك؛ لكن قلت بجوازه للضرورة, وإذا زالت الضرورة رجع الحكم؛ لأن النصوص موجودة ولا تتغير, وإنما غيرت رأيك؛ لأنك اكتشفت أن المناط غير المناطات، أو غيرت رأيك؛ لأنك وجدت أن المصلحة أكبر، ومعنى المصلحة ليست مصلحة الهوى، إنما نحن نقول: أخذت مجموع أدلة وجاءت عندك بعض الأدلة الشرعية -كلاهما أدلة، فمن أجل أن تُعمل عدد أكبر من الأدلة قدمتها على العمل ببعض الأدلة فتغيرت فتواك, وكثيرة جداً هذه القضايا الفقهية الطويلة. وليس المقصود بالتغيير: أن ما كان حراماً يصبح حلالاً، لكن مثلاً: تعليم البنات كان يراه بعض المشايخ حراماً, وقاومه بقوة، ثم رأى أنه لا بأس به, فالمشايخ هؤلاء لم يغيروا النصوص وإنما غيروا فهمهم للنص، فبعد أن رأوا أن التعليم جيد, أصبح بعضهم يسعى إليه, والبعض يمكن ما يرغم على ذلك؛ لأن هذا الدين أنزله الله سبحانه وتعالى ليُقِيم الواقع، لكن هؤلاء الناس يريدون العكس, كما عبر بعضهم: الدين للواقع، بمعنى: نرى واقع الناس ونأتي إلى الدين ثم نفصله حتى يتفق مع الواقع، لكن نحن نقول: إن الدين نزل ليغير هذا الواقع ويرتفع به.ما بين هذين العمليتين يوجد نقطة رمادية، عندنا الأبيض واضح, والأسود واضح، ودائماً في كل دائرة فكرية أو فقهية توجد منطقة رمادية نختلف فيها هل هي سوداء أو بيضاء؟ وهذا ليست هي المشكلة، المشكلة أننا نحسم موضوع الأبيض الواضح وهو الثبات على القيم الإيمانية والمحرمات القطعية, ولا تباح المحظورات إلى للضرورات.. إلى آخره، ونفرق بين المنطقة الأخرى؛ وهي أن الحرام بيّن, ويجب أن يجتنب, وكذلك الشبهات تجتنب ما أمكن, الحرام لا يجوز إلا للضرورة, والشبهات لا تجوز إلا للحاجة.